ثقافة بينومي لعزيز الجبالي: ضحكات مرة وكوميديا سوداء تفضح "سكيزوفرينيا" المجتمع التونسي
لم يكن اختيار القائمين على الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي لمسرحية "بينومي s+1" اعتباطيا، فركح قرطاج الذي احتضن روائع على غرار مسرحية "الذباب" لجون بول سارتر سنة 1961 ومسرحية "كاليغولا" لألبير كامو التي قدمها علي بن عياد في نفس السنة و"عطشان يا صبايا" للمنصف السويسي سنة 1975، هو ذات الركح الذي استقبل مساء الثلاثاء 22 جويلية 2025 أمام شبابيك مغلقة مجموعة من الشباب الحالم والمحب للمسرح والمؤمن برسالته الفنية والإنسانية والنقدية .
مسرحية "بينومي s+1" من إخراج عزيز الجبالي، الذي يشارك أيضا في التمثيل إلى جانب كل من عبد الحميد بوشناق وصابر الوسلاتي و ياسمين الديماسي وفاطمة صفر وجهاد الشارني وعصام عبسي ومحمد السويسي وفايبا والشيخ محمد بن حمودة، أما السينوغرافيا فتحمل إمضاء صبري العتروس.
تدور أحداث المسرحية حول شخصية "حميدو"، مصمم الأزياء الذي يجسد دوره عزيز الجبالي. يجد حميدو نفسه مضطرا للبحث عن شريك سكن بسبب ظروفه المادية الصعبة. هذه الفكرة البسيطة، التي شكلت النواة الأولى للعمل المسرحي، تتطور لتتحول إلى رحلة كوميدية ساخرة، تكشف عن تناقضات المجتمع التونسي وتعقيداته.

تزداد الأحداث تشويقا مع ظهور شخصية "كلخة السمسار"، التي أبدع في تجسيدها الممثل صابر الوسلاتي. "كلخة" هو شخصية انتهازية، يقوم بدور الوسيط بين حميدو ومجموعة من الشخصيات المرشحة للمشاركة في السكن. كل شخصية من هذه الشخصيات تحمل قصة وطباعا مختلفة عن بعضها البعض، مما فتح المجال أمام الجبالي لطرح العديد من القضايا المجتمعية الملحة بأسلوب نقدي وجريء، على غرار قبول الآخر، ازدواجية الخطاب، التعايش السلمي، التمييز، الجهويات، نبذ العنصرية، ابتعاد الإعلام عن القضايا الرئيسية واعتماده التضليل، تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على مختلف فئات المجتمع، حرية التعبير، العنف والتحرش، وغيرها من المواضيع، وذلك في قالب كوميدي ساخر ينقد من خلاله عزيز وفريقه تناقضات المجتمع التونسي و"السكيزوفرينيا" التي يعاني منها الأغلبية دون الوقوع في فخ المباشرتية .
رحلة في عوالم الشخصيات المركبة، تداخلت فيها الكوميديا مع التراجيديا من خلال حوارات وحكايات مختلفة فكريا واجتماعيا وايديولوجيا. على مدار ساعتين وخمس وثلاثين دقيقة، قدم الممثلون بأسلوب كوميدي ساخر عينات من المجتمع التونسي، حيث نجد ابن الأحياء الشعبية بلهجته الغريبة وغير المفهومة، والمتضمنة لمصطلحات هجينة تعكس واقعا اجتماعيا معينا.
وأصحاب السوابق الذين يعتمدون العنف كلغة حوار، وبائعة الهوى المتخفية بغطاء العفة و"الطهارة" في إشارة إلى التناقضات الأخلاقية، ورجل الدين والمنحرف النرجسي والمثقفة و"البلدي" بعباراته الحبلى بنعرة الجهويات، وغيرها من النماذج والظواهر الاجتماعية التي تعكس تنوع المجتمع وتناقضاته.
لم تكتف المسرحية بتقديم نقد اجتماعي لاذع، بل حملت بين سطور الكلمات مجموعة من الرسائل الإنسانية كتسليطها الضوء على حرية التعبير ومساجين الرأي الذين يقبعون منذ أشهر خلف القضبان ، منهم سنية الدهماني ومراد الزغيدي وغيرهما، ولم يغفل الجبالي عن القضية الأم حيث رفع فريقه علم فلسطين على ركح قرطاج، ليؤكدوا التزامهم بالقضية الفلسطينية.
وخلال الندوة الصحفية، شدد الجبالي على أن "القضية الفلسطينية لا تغيب عن الفعل المسرحي التونسي".
"بينومي" مسرحية تمزج بين السخرية اللاذعة والكوميديا السوداء والنقد الاجتماعي،و تطرح بأسلوب ذكي وغير مباشر العديد من القضايا الملحة أهمها تناقضات المجتمع التونسي. سهرة قرطاجنية أثبتت أن المسرح الجماعي ومسرح الموقف قادران على استقطاب الجماهير الغفيرة، وتقديم عمل فني يلامس الوجدان ويثير الفكر والعقل.
سناء الماجري